لماذا حُرِمت الجزائر من دخول البريكس؟

الأحد, 27 أغسطس 2023

قراءة موضوعية في معايير الانضمام إلى المجموعة
لماذا حُرِمت الجزائر من دخول البريكس؟
مساهمة: أ. م. رابح لكحل
في قمتها الـ15 بجنوب إفريقيا (منذ إنشائها عام 2009 م) وبحضور قادة دول أعضائها إلا روسيا التي مثلها وزير خارجيتها وبعد قرارها بتأسيس ما يعرف بـ بنك التنمية الجديد والمشهور باسم بنك بريكس عام 2014 م كان لـ البريكس ما يعد ثاني أهم إنجاز وهو انتصارها لتوسعة عضويتها ودعوتها لـ6 دول للانضمام ابتداء من منتصف السنة القادمة (2024 م).
وواجه صدور هذا القرار صعوبات نظرا:
١- للاختلاف في مبدإ وكيفيات التوسعة بين الأعضاء الخمسة.
٢- للاهتمام الواسع بالعضوية في التكتل بحيث عبرت أكثر من 40 دولة عن رغبتها في الانضمام بينما قدمت 22 منها طلبا رسميا لذلك.
ويمكن تفسير هذا الانجذاب لأهمية حجم البريكس وما تمثله في الاقتصاد العالمي فحتى نهاية 2022 م قدر مجموع إنتاجها الخام بـ44 تريليون دولار وتسيطر على 17 بالمائة من التجارة العالمية كما تشغل 27 بالمائة من مساحة اليابسة في العالم (حوالي 40 مليون كيلومتر مربع).
فإذا كان قرار إنشاء البنك هدفه الأكبر التخلص التدريجي من هيمنة الدولار الأمريكي والوصول إلى عملة موحدة فقرار التوسعة ولو لم تسبقه رؤية موحدة ومتجانسة فالهدف منه توسيع نفوذ التكتل للتأثير أكثر في السياسة العالمية وهذا ما يفسر ما ظهر من خلاف حولها وجاء القرار بضم 6 دول دون غيرها من الـ22 دولة مرشحة غريبا وغير مفهوم على أي أسس بني هل على معايير اقتصادية صرفة..؟ أم سياسية أو جيوسياسية صرفة..؟ أم هي خليط بينها..؟


1-معايير الاختيار: 
غلب على التحاليل المبررة لاختيار الـ6 دول دون غيرها اعتماد خليط من المعايير الاقتصادية الجيوسياسية والسياسية.. 
وحتى يمكننا توضيح الصورة نحاول مقارنة الجزائر كدولة سابعة لم تنل العضوية في هذه القمة بالدول الـمختارة فنجد أن ترتب كما يأتي:
أ-بمعيار الناتج الداخلي الخام: ١-السعودية (1108 مليار دولار) ٢-الأرجنتين (633 مليار دولار) ٣- الإمارات العربية المتحدة (508 مليار دولار) ٤- مصر (447 مليار دولار) ٥-إيران (389 مليار دولار) ٦-الجزائر (192 مليار دولار) وأخيرا أثيوبيا بـ127 مليار دولار
ب-بمعيار معدل التضخم نجد:١- الإمارات العربية المتحدة (2.07 بالمائة) ٢- المملكة العربية السعودية (2.3 بالمائة) ٣-الجزائر (9.10 بالمائة) ٤-أثيوبيا (28.8 بالمائة ) ٥-مصر (36.5 بالمائة) ٦-إيران (39.4 بالمائة) وأخيرا الأرجنتين بـ(113 بالمائة). 
ت-بمعيار معدل البطالة نجد:١-الإمارات العربية المتحدة (2.75 بالمائة) ٢- المملكة العربية السعودية (5.1 بالمائة) ٣-الأرجنتين (6.9 بالمائة) ٤-مصر (7 بالمائة) ٥-إيران (9.7 بالمائة) ٦- الجزائر (12.7 بالمائة) وفي الرتبة الأخيرة أثيوبيا (29.3 بالمائة ).
ث-بمعيار المساحة نجد: ١- الأرجنتين (2.78 مليون كم2) ٢-الجزائر (2.38 مليون كم2 ) ٣-السعودية (2.15مليون كم2)- ٤-إيران (1.648 مليون كم2 )  
٥-أثيوبيا (1.112مليون كم2) ٦-مصر (1.002 مليون كم2 ) وفي الرتبة الأخيرة الإمارات (83.6 ألف كم2).
جـ-بمعيار عدد السكان نجد: ١-أثيوبيا(123 مليون نسمة) ٢-مصر (104 مليون نسمة ) ٣-ايران (84.1 مليون نسمة) ٤-الأرجنتين (46.24 مليون نسمة )  
٥-الجزائر (44.90 مليون نسمة) ٦-السعودية (32.18 مليون نسمة) وفي الرتبة الأخيرة الإمارات (9.44 مليون نسمة).
فإذا وضعنا تنقيط لكل رتبة لمختلف هذه المعايير (على اعتبار أنها متساوية) بحيث نمنح النقطة 60 للحاصل على الرتبة الأولى و50 للحاصل على الرتبة2.. وهكذا حتى نصل إلى النقطة 0 للحاصل على الرتبة الأخيرة نحصل على ترتيب الدول الاستحقاقي كما يأتي:
1-السعودية بـ210 نقطة 2-الأرجنتين بـ180 نقطة 3-الإمارات بـ160 نقطة 4-مصر بـ140 نقطة 5-الجزائر بـ130 نقطة 6-إيران بـ120 نقطة 7-أثيوبيا بـ90 نقطة.
ومنه نصل إلى النتيجة أنه بمنطق حسابي كانت حظوظ الجزائر أوفر لنيل العضوية أمام كل من إيران وأثيوبيا وليست بعيدة عن مصر.


2-العامل السياسي: 
في تقديري هو العامل الحاسم في قرار الاختيار فمجموعة البريكس همهم الأول توسيع النفوذ لنيل مكاسب اقتصادية أكبر وبحسب تصريحات بعض قادتهم يمكن أن نستخلص بعض ضوابط الاختيار:
١-إختاروا الدول التي تملك إمكانات مالية كبيرة لتوسيع قدرة المجموعة على التمويل ويظهر هذا في اختيار السعودية والإمارات..
٢-اختاروا الدول ذات الكثافة السكانية على اعتبار أنها أسواق واعدة ويظهر هذا في اختيار أثيوبيا ومصر وإيران.
٣-انتصروا لاختيار إيران ومصر بدافع جيوسياسي أيضا فكلاهما يطل على شريان من شرايين التجارة العالمية ( مضيق هرمز وقناة السويس) على الترتيب.
٤-من قبل انعقاد القمة الإصرار البرازيلي كان واضحا على ضم الأرجنتين الجارة والحليف الأمريكي بغض النظر عن المعايير الاقتصادية التي ليست في صالحها.
٥-والشيء نفسه يقال بحدة أكبر عن أثيوبيا فبالإضافة للعوامل الاقتصادية السلبية التي لا تشجع على ضمها فهي دولة غير ساحلية وغير مستقرة فالصراعات الاثنية والتحديات الأمنية المهددة لوحدتها لم تتوقف ولا تنتهي.


3-العوامل التي عملت ضد الجزائر: 
بالإضافة لمعايير الاختيار غير الواضحة يمكن أن نستنتج عدة عوامل مختلفة منطقية إلى حد ما عملت ضد اختيار الجزائر مثل: ١-نظامها المصرفي المتأخر جدا والذي يحتاج إصلاحات كبيرة لمواكبة التطورات العالمية فيكفي للتدليل على ذلك أن شبكة التعاملات المالية لبريد الجزائر متقدمة جدا عن مثيلاتها في البنوك التي ما تزال لم تخرج من ثقافة المؤسسة الإدارية إلى منطق المؤسسة المالية 
٢-ضعف مبادلاتها التجارية مع الدول الأعضاء في البريكس فلو استثنينا الصين وروسيا فباقي التعامل التجاري معهم ضعيف إلى منعدم.
٣-الغياب الكبير للجزائر عن الساحة الدولية لأكثر من عشرية ليس من السهل تعويضه في سنة أو سنتين من النشاط.
٤-داء الجزائر المزمن وهو اعتمادها على اقتصاد الريع وهو اقتصاد قلق مهدد في أي لحظة والمطلوب اقتصاد متنوع يحتمل الصدمات.


4-نتيجة: 
بشيء من الاهتمام والجهد يمكن للجزائر القارة بطاقاتها البشرية ومساحتها الواسعة وأقاليمها المناخية ومنها الزراعية المتباينة وثرواتها المختلفة أن تبني في أقل وقت نظام اقتصادي فعال تحقق من خلاله أمنها الغذائي والطاقوي وتلعب دورها كدولة محورية في فضائها الجغرافي والحضاري.
ملاحظة: كل الدول الـ6 المختارة رحبت بدعوة لـ البريكس إلا السعودية التي علقت بقولها: سندرس الدعوة!؟ وهذا يدل ربما على أن السعودية لم تكن جادة بطلبها الانضمام إنما هو ورقة ضغط للحصول على تنازلات عند راعيها وكافلها الوحيد الولايات المتحدة الأمريكية بمنطق التهديد بإعادة الزواج..!.